آداب اللباس
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد ...
فقد امتن الله تعالى على عباده فقال : {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (26) سورة الأعراف
قال ابن كثير رحمه الله : يمتن الله على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش، فاللباس ستر العورات وهي السوآت، والريش ما يتجمل به ظاهراً، فالأول من الضروريات والريش من التكملات والزيادات .- تفسير ابن كثير 2/217-
فما أنزل الله لنا من أنواع الملبوسات نعمة عظيمة يجب شكرها والتأدب بآدابها ... ونحن نسوق هنا بعضاً من تلك الآداب التي ينبغي التأدب بها ومنها :
1. استحباب لبس الحسن وتطهير اللباس
قال تعالى : ({وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (4) سورة المدثر
ويستحب للمسلم أن يبلس الحسن من ثيابه ويتأكد في المناسبات كالأعياد والجمع واستقبال الوفود وهذا معلوم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
2. مراعاة الدعاء الوارد في اللباس :
أ- التسمية عند اللبس وحمد الله على هذه النعمة
ب- الدعاء عند لبس الجديد
عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه، إما قميصاً أو عمامة ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك من خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صُنع له ). رواه الترمذي وصححه الألباني .
ت ـ الدعاء لمن لبس الجديد
يستحب أن يُقال لمن لبس جديداً ( البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً ) . فعن ابن عمر-رضي الله عنهما- ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصاً أبيض، فقال: ثوبك هذا غسيلٌ أم جديدٌ ؟ قال : لا . بل غسيلٌ. قال: البس جديداً، وعش حميداً، ومُت شهيداً ) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني
3. البدء باليمين في اللباس واليسرى في الخلع .
فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمُّن في طُهوره وترجله وتنعله. رواه البخاري ومسلم
4. ستر الثوب اللباس للعورة
من أعظم الآداب أن يستر الرجل وكذلك المرأة ، العورة ولا يبدي سؤته لأحد ، فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: ( قلت يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك . قال: قلت : يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحدٌ فلا يرينها . قال: قلت يا رسول الله: إذا كان أحدنا خالياً ؟ قال: الله أحق أن يستحيا منه من الناس ) رواه أبو داود و الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني
وعورة الرجل من السرة إلى الركبة. معدا مع زوجته وأمته
والمرأة كلها عورة- إلا عن زوجها- .
وأما محارمها فلهم النظر إلى ما يظهر غالباً كالوجه، واليدين، والشعر، والرقبة ونحو ذلك .
وعورتها مع بنات جنسها من السرة إلى الركبة .
5. الحذر من الإسراف والمبالغة في اللباس
لقد نهانا تعالى عن الإسراف فقال : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف
والإسراف كما يكون في الأكل والشرب يكون كذلك في اللباس ف عن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا في غير إسرافٍ ولا مخيلة ) رواه والنسائي وابن ماجة وحسنه الألباني
6. تحريم تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال
عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ) وفي لفظ آخر: ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء . وقال أخرجوهم من بيوتكم . قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً، وأخرج عمر فلاناً ) رواه البخاري وغيره
وهذا التشبه يكون في اللباس وغيره ...
7. الحذر من جر الثوب خيلاء .
فقد ورد النهي عن ذلك مما يدل على تحريمه وبين عقوبته وخطره ، فعن أبو هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا ينظر اللهُ يوم القيامة إلى من جرَّ إزاره بطراً) رواه البخاري ومسلم .
و عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار ) رواه البخاري
وأما بالنسبة للمرأة فيشرع لها أن تجر كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن جَرَّ ثَوبَهُ خُيلاءَ لَم يَنُظر الله إِليه يَومَ القِيامَة ) فقالت أم سلمة فكيف يصنعن النساء بِذُيولِهِنَّ ؟
قال : ( يُرخِينَ شِبرا ) فقالت : إذا تَنكَشِف أَقدامُهُن ؟قال : ( فَيرخِينَهُ ذِراعاً لا يَزدنَ عَليهِ ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني
قال الشيخ الفوزان حفظه الله : " مطلوب من المرأة المسلمة ستر جميع جسمها عن الرجال، ولذلك رخص لها في إرخاء ثوبها قدر ذراع ؛ من أجل ستر قدميها " [ المنتقى 3/451]
8. ألا يكون الثوب ثوب الشهرة .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال في حديث شريك يرفعه قال : ( مَن لَبِس ثَوب شُهرةٍ أَلبَسَهُ الله يَومَ القِيامَة ثَوباً مِثلَهُ رواه أبو داود وابن ماجه وحسنه الألباني
قوله : ( ثوب شهرة ) أي : ثوب تكبر وتفاخر ، والشهرة هي التفاخر في اللباس المرتفع أو المنخفض للغاية ، ولهذا قال ابن القيم هو من الثياب الغالي والمنخفض .
وقال ابن الأثير : " الشهرة ظهور الشئ " والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفته لونه لألوان ثيابهم ، فيرفع الناس إليه أبصارهم ، ويختال عليهم بالعجب والتكبر .
وقال القاضي : " المراد بثوب الشهرة ما لا يحل لبسه ، وإلا لما رتب الوعيد عليه " [ فيض القدير 6/216]
قال ابن تيمية: وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة، والمنخفض الخارج عن العادة؛ فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين، المترفع والمتخفض، وفي الحديث
من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة). وخيار الأمور أوساطها . الفتاوى (22/138)
9. التواضع في اللباس
عن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن تَرك اللبَاس تَواضُعاً لله وهُو يَقدِر عَليه ، دعاهُ الله يومَ القِيامَة عَلى رُؤوس الخَلائِق يُخَيِره مِن أَي حُلَلِ الإيمَان شَاء يَلبَسُها ) رواه الترمذي وحسنه الألباني
في الحديث : "إشارة إلى أن الجزاء من جنس العمل ، وأن التواضع الفعلي مطلوب كالقولي وهذا من أعظم أنواع التواضع ؛ لأنه مقصور على نفس الفاعل فمقاساته أشق بخلاف التواضع المتعدي ، فإنه خفض الجناح ، وحسن التخلق ، ومزاولته أخف على النفس من هذا لرجوعه لحسن الخلق لكن بزيادة نوع كسر نفس ولين جانب" [ فيض القدير 6/101]
10. أن يكون اللباس خالياً من الصلبان و التصاوير.
فعن عائشة-رضي الله عنها- ( أنها اشترت نُمرُقة فيها تصاوير، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالباب فلم يدخل، فقلتُ أتوب إلى الله مما أذنبت. قال: ما هذه النمرقة ؟ قالت: لتجلس عليها وتوسدها. قال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه الصورة ) رواه البخاري ومسلم
وعن عمران بن حطان أن عائشة -رضي الله عنها- حدثته
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه ) رواه البخاري
11. استحباب لبس البياض .
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم... الحديث ) راوه أحمد وأبو داود وغيره وصححه الألباني
12. عدم لبس المعصفر
عن عبد الله بن عمر بن العاص قال: ( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال: إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها ) وفي لفظ آخر
قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين . فقال: أأمك أمرتك بهذا ؟ قلت: أغسلهما . قال: بل أحرقهما ) رواه مسلم
قوله: ( أأمك أمرتك بهذا ) معناه أن هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن، وأما الأمر بإحراقهما فقيل هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل . شرح النووي لمسلم 14/45
13. عدم لبس الضيق والشفاف والمزركش
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صِنْفَان مِن أَهلِ النَّار لَم أَرهُمَا ، قَومٌ مَعَهُم سِياطٌ كَأذنَاب البَقَر يَضرِبُون بِها النَّاس ، ونِساءٌ كاسِيات عَاريَاتٍ مُمِيلاتٍ مَائلاتٍ ، رُؤسُهنَّ كَأسنِمة البُختِ المَائِلة ، لا يَدخُلنَّ الجَنَّة ولا يَجِدنَ رِيحَهَا ، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَد مِن مَسيرَةِ كَذَا وكَذا) رواه مسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقد فُسر قوله " كاسيات عاريات " بأن تكتسي ما لا يسترها ، فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية ، مثل أن تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك ، وإنما كسوة المرأة ما يسترها ، فلا تبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفا واسعا " [ مجموع الفتاوى 22/146]
14. حكم لبس الحرير
يحرم على الرجال دون النساء لبس الحرير ، فعن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله في يمينه، وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال: ( إنَّ هذين حرام على ذكور أمتي ) رواه أبو داود(4057) وصححه الألباني
وبين لنا صلى الله عليه وسلم أنه : ( من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) رواه مسلم
لكن هناك حالات يباح للرجل لبس الحرير :
1- من به مرض مثل الحكة ، فعن أنس-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم : رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميصٍ من حرير من حكةٍ كانت بهما . رواه البخاري ومسلم
2- ويباح له لبسه في الحرب .
3- إذا لم يجد ثوباً إلا ثوب حرير
4- إن كان جزء من الثوب بمقدار أربعة أصابع فما دون لحديث عمر بن الخطاب قال: نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثٍ أو أربعٍ . رواه البخاري ومسلم
15. طيّ الثياب بعد خلعها، وذكر اسم الله عليها عند وضعها أو تعليقها، وعدم إلقائها مبعثرة دون مبالاة.
فعن أنس قال: قال رسول الله : ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه: بسم الله لا إله إلا هو رواه ابن السني.